الإسلام.. هو الوحيد الظاهر!

تاريخ النشر :٨ يونيو ٢٠١٤

الديانات والأصح أن نقول: الشرائع السماوية الباقية، والتي لها أتباع، هي اليهودية، والنصرانية، والإسلام، فكل شريعة من هذه الشرائع لها كتاب سماوي، ولها رسول ونبي، ولها أمة وأتباع يعملون بمقتضاها، أو بشيئ يسير مما تأمرهم به وتنهاهم عنه.
والشريعة باقية في اليهودية، والنصرانية، والإسلام، أما صفاؤها، ونقاؤها، وسلامتها من التغيير، والتحريف، فهذا أمر وكّله الله تعالى إلى أتباع كل شريعة، فعل هذا مع اليهودية، وفعله مع النصرانية، أما الإسلام فلم يكل حفظ شريعته إلى الأتباع، بل تعهد الله تعالى بحفظ الكتاب الذي يحوي شريعة الإسلام، ومنهاجه في إشارة واضحة إلى أنه الكتاب الوحيد الذي آلت إليه مواريث الانبياء والرسل الكرام (عليهم صلوات الله وسلامه)، واحتوى على ما جاء في الكتب المنزلة قبل أن ينالها التحريف على يد أتباعها، فهو المصدر الوحيد لوحي السماء الذي حفظه الله تعالى من أي تغيير، وإليه يرجع أصحاب كل شريعة، وكل كتاب ليتأكدوا من خلاله على صحة ما بين أيديهم من نصوص يزعم أصحابها أنها من السماء.
والإسلام هو الدين الوحيد الباقي من دون تغيير أو تحريف، لأن الذي تعهد بحفظه عن الزيادة والنقصان هو الإله الذي أنزله سبحانه، والمحاولات التي يبذلها خصومه لتحريفه أو تغيير شيء من نصوصه كلها باءت بالفشل.
ولا يعني القول ببقاء الإسلام ديناً وحيداً أن ينتفي غيره من الشرائع التي سبقته، بل نعني بذلك أنه سوف يعلو على غيره بقيمه وفضائله وحلوله، ولقد أجبر الواقع الكثيرين من غير المؤمنين به على الرجوع إليه واستشارته في بعض ما أهمهم من أمور حياتهم التي يواجهونها ولا يجدون لها حلولاً في شرائعهم السماوية التي حرفت وبدلت، أو شرائعهم البشرية التي حاول أصحابها الاستدراك بها على شرائع الله تعالى، فلم يفلحوا في ذلك، واضطرهم واقعهم إلى اللجوء إلى الإسلام باعتباره آخر ما نزل من وحي السماء، والبحث في صيدليته عن أدوية لأمراضهم المستعصية، وحلولٍ لمشاكلهم، ذلك لأن الحكمة ضالتهم وهم لا يشعرون بأدنى حرج في أن يأخذوها من أي وعاء خرجت منه حتى لو كان هذا الوعاء هو: الإسلام.
من هنا ندرك أن بقاء الإسلام وشريعته ظاهرين في أحكامه وأقضيته هو ضرورة إنسانية، وحقيقة لا يمكن أن يتطرق إليها الشك أو تحوم حولها الشبهات، ولقد شهد بذلك المنصفون من علماء الغرب ومفكريه على اختلاف توجهاتهم، ورأوا في حلول الإسلام وقيمه المطلقة إنقاذاً للبشرية مما تعانيه من خلل في تصوراتها عن الحياة وما بعد الحياة، كما أن في هذه القيم وتلك الحلول صيانة للإنسان من أن يضل، وعلاجاً له بعد أن يضل، وهذه ماري أوليفر، وهي مسيحية لم تستطع عقيدتها المسيحية أن تمنحها القناعة، فبحثت عنها في البوذية والهندوسية ولم تجدها إلا في الإسلام، تقول: (بعد أن درست الأديان المختلفة في العالم توصلت إلى الاستنتاج بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يؤثر في أولئك الذين يؤمنون به، وكذلك الذين لا يؤمنون به على حدٍ سواء. فأعظم فضيلة للإسلام انه يأسر قلوب البشر بصورة تلقائية ومن أجل هذا تجد في الإسلام سحراً غريباً وجاذبية عظيمة تجتذب إليها ذوي العقليات المتفتحة من غير المسلمين) من كتاب: قالوا عن الإسلام/ د. عمادالدين خليل/ ص155. وسؤال نوجهه إلى أهل الشرائع الأخرى من سماوية وبشرية: هل وجدتم شريعة تنصف خصومها من نفسها، وتحمل أتباعها على البر بمن ليسوا على دينها، فتقول لهؤلاء الاتباع: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» سورة المائدة/8. وهل رأيتم شريعة تأوي إليها مشركاً خائفاً من عدو يترصده، اقرأوا إذاً قوله تعالى: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون» سورة التوبة/6.
أجره أولاً، وهدئ من روعه ثانياً، وقدم له من الطعام والشراب ما هو بحاجة إليه ثالثاً، ثم اقرأ عليه شيئاً من القرآن رابعاً، ثم أبلغه مأمنه خامساً!!.
أي سماحة، وأي رفق بمن هم ليسوا على دينك، بل هم ليسوا على أي دين سماوي، هم مشركون ورغم ذلك يأمرنا الإسلام بأن نرفق بهم، ونحسن إليهم، وأن نحاول في رفق ولين أن ندعوهم إلى الإسلام من دون أن نرغمهم على الدخول فيه.
وهل سمعتم عن شريعة تلح على رعاية الجار حتى ولو كان غير مسلم عملاً بوصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» متفق عليه.
والجار غير المسلم أحد جيران المسلم الذي يجب أن يحظى بنفس الرعاية التي يحصل عليها الجار المسلم.
وفي العلاقات الدولية، أي علاقة دولة الإسلام بغيرها من الدول، رسمت الشريعة الإسلامية الحدود الواضحة، وأقرت العهود والمواثيق التي تنظم مثل هذه العلاقات من مثل قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون(9)» سورة الممتحنة.
لدولة الإسلام مع الأمم الأخرى موقفان ينبعان من موقف هذه الدولة أو تلك من دولة الإسلام، فالدولة المسالمة لدولة الإسلام، الراعية لحقوق المسلمين، الملتزمة بالعهود والمواثيق الدولية التي أنشأتها مع دولة الإسلام، لهذه الدولة كل تقدير وبر، وأما الدولة التي ناصبت دولة الإسلام العداء، وأخرجت المسلمين من ديارهم بل وظاهرت أعداء المسلمين عليهم، فهذه الدولة لا بد وأن نعاملها بالمثل ولا نساوي بينها وبين الدولة المسالمة لنا، الراعية لحقوقنا.
إن الإسلام يضع القواعد والشرائع لتعامل المسلمين مع غيرهم، فهو لا يقبلهم جميعاً من دون تفرقة بين المحسن منهم والمسيء، ولا يردهم جميعاً بنفس هذا الميزان، بل إنه يحسن إلى من أحسن إليه، ويمسك إحسانه عمن أساء اليه، ويعطي من خيره من أعطاه، ويمنع هذا الخير عمن منعه إياه، لأن المعاملة مع غير المسلمين لا بد أن تكون بالمثل.
والإسلام لم يسع في يوم من أيام عظمته وانتصاره لحمل الناس على الدخول فيه، وحتى الحروب التي خاضها المسلمون لم تكن لإجبار الناس على الدخول فيه، بل كانت حروباً ضد أنظمة ظالمة طاغية تمنع الخير والهداية عن شعوبها، فأقصى ما كان يسعى إليه المسلمون في هذه الحروب هي إزالة الطواغيت عن طريق الدعوة، وإعطاء أهل البلاد المفتوحة الحرية في الدخول في الإسلام أو عدم الدخول فيه، بدليل أن البلاد التي دخلها الفتح الإسلامي بقي فيها أهل العقائد الأخرى على عقائدهم، وحقق لهم المسلمون من الرعاية والحرية ما يسر لهم أداء مطلوبات دياناتهم، وهذا ما شهد به المنصفون من علماء الغرب ومفكريه، يقول واشنجتون إيرفنج في كتابه (حياة محمد): «أما باقي المسيحيين- في المدينة- فلم يبدو أي عداء للإسلام، فقد اعتبروه أفضل بكثير من الوثنية. ولا شك أن الخلافات العديدة التي كانت قد نشبت بين الطوائف المسيحية في الشرق قد مهدت الطريق أمام المسيحيين ليعتنقوا الإسلام» قالوا عن الإسلام/ د. عمادالدين خليل/ص 157. كان الإسلام وهو يدخل البلاد المفتوحة يرفع شعار «لا إكراه في الدين»، وشعار «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وعقيدة ترفع مثل هذه الشعارات، وتعمل بمقتضاها لا يمكن أن تتهم بأنها انتشرت بحد السيف، أو أرغمت أحداً على الدخول فيها، لأن الإسلام لا يريد قلوبا مغلوبة على أمرها، بل يريد قلوباً غالبة صادقة في إيمانها، عميقة في يقينها، ولهذا فمن دخل في الإسلام، وذاق حلاوته لم يخرج منه، ولم يستبدل به غيره، ولذلك فالمسلمون في ازدياد وغيرهم في نقصان، ويحق لنا أن نقول بكل ثقة: إن الإسلام سوف يظهر على الدين كله، ظهور حجة وبرهان كما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله تعالى) في إحدى خواطره القرآنية، فهو الدين الوحيد الظاهر على بقية الأديان سواء كانت سماوية أو بشرية، قال تعالى: «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» سورة التوبة/33.

أضف تعليق