العزيمة والتوكل

تاريخ النشر :١٥ أبريل ٢٠١٦

عبدالرحمن علي البنفلاح

من الأخلاق التي يجب أن يتصف بها المسلم، وتكون جزءًا من شخصيته أن يكون ذَا عزيمة ولا يتردد فيما يأخذه من قرارات لترتاح نفسه، ويطمئن قلبه، وصلة العزيمة بالتوكل صلة وثيقة، والتوكل على الله تعالى غير التواكل، لأنّ الأول محمود، والثاني مذموم.
والتوكل في حقيقته أن تأخذ بجميع الأسباب، ثم تتوكل على الله تعالى، أما التواكل المذموم، فهو أن تقعد عن السعي في طلب الحلال أو ما شابه، وتقول: «ربي ارزقني وقد علمت أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة!».
وعندما دخل الأعرابي المسجد قال لرسول الله(صلى الله عليه وسلم): أأترك ناقتي وأتوكل أم أعقلها وأتوكل؟ قال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم: [بل اعقلها وتوكل]، وهذا درس بليغ من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على المسلمين أن يعوه، ويأخذوا به، وهو أن نأخذ بالأسباب ثم نتوكل على الله تعالى.
والعزيمة صفة جليلة وصف الله تعالى بها عباده المُخْلَصين من الأنبياء والمرسلين الكرام (عليهم صلوات الله وسلامه)، وذلك لما لاقوه من عنت وأذى أقوامهم، وصبرهم ومصابرتهم على الأذى، وطلب سبحانه من رسوله ومصطفاه محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يتأسى بمن سبقه من الرسل الكرام، وأن يصبر كما صبروا، ويتحمل الأذى في سبيل الرسالة كما تحملوا، قال سبحانه: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يَرَوْن ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} الأحقاف/35.
وقبل أن تعقد العزم على أمر ما، فعليك أن تستنفد جميع الأسباب التي يسّرها الله تعالى لك، ثم بعد ذلك تعقد العزم على فعل الشيء أو تركه، ثم تتوكل على الله تعالى، ومن يتوكل على الله سبحانه فهو حسبه.
ومعلوم أن الصبر على ما يلاقيه المسلم من بلاء هو من أخلاق أهل العزم، يقول سبحانه: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} الشورى/43.
ولأن المسلم معرض دائمًا للبلاءات من: فقد عزيز، أو مرض، أو فقد مال، أو ما شابه، فهو في حاجة دائمة إلى خلق العزم الذي يمده بالقوة المعنوية والتحمل حتى يجتاز المِحنة التي ألمّت به، ويشفى من مرضه، ويكون له في أنبياء الله تعالى ورسله الكرام (صلوات الله وسلامه عليهم) الأسوة الحسنة، والقدوة العظيمة.
والعزم من الصفات التي لا يستغني عنها المؤمن في حياته، وفي مواجهة ما يعترض سبيله من المنغصات، ولقد حذرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أن نكون إمّعة لا شخصية لنا نتبع كل ناعق، فقال صلى الله عليه وسلم:
[لا تكونوا إمّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن لا تظلموا] المحدث: المنذري في الترغيب والترهيب، وإسناده صحيح أو حسن.
وهذا أفضل تعريف للعزيمة، في أن تكون مستقل الرأي، واثقا مما تأخذه من قرارات، ولا تكن مواقفك متذبذبة، تابعة للناس، ولك أن تأخذ أفضل ما فيهم، وتدع أخطاءهم، فلا تسير وراءهم مغمض العينين.
إن من ضمان الجودة فيما تتخذ من مواقف أن تكون نابعة من قناعاتك الشخصية، ولا تتأثر بسواك، فتقلدهم تقليدًا أعمى حتى ولو كانوا على ضلال، ولله در الشاعر الذي قال:
إذا كنت ذَا رأي فكن ذَا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا.
فالرأي لا يستحق أن يكون رأيًا يدافع عنه صاحبه ليقنع به الآخرين، ويثبت عليه ولا يغيره ما لم تقف وراءه عزيمة قوية تشد من أزره، وتقوي ثباته بعد التأكّد من صوابه.

أضف تعليق